--- بائعة الورد ---
كان الجو باردًا . وبينما أنا أتجول في شوارع المدينة . أثار انتباهي مشهد لسيدة عجوز متكئة على أحد الأعمدة الكهربائية . كانت ترتدي ثيابا لا تكاد تحميها من البرد وكانت تبدو حزينة والتعب واضح على محياها .
ركنت سيارتي بجانب الرصيف . ترجلت وقصدتها . بعد التحية سألتها : ما بك سيدتي ؟ هل أنت مريضة ؟ وهل تنتظرين أحدا ؟
أجابتني بصوت خافت وكلها حسرة لا ولدي . لقد مات زوجي ، وتخلى عني الأقارب والأحباب ، فلم أعد أجد ما أسد به رمق العيش . فأنا كما ترى يا ولدي بائعة ورد . فطول اليوم أظل أطوف بين المقاهي والحانات ، أطوف في الأسواق ، أطوف في الشوارع والطرقات . أنا يا ولدي بائعة ورد ، تدخل الفرحة على قلوب العشاق وعامة الناس ، فلن أتسكع ، ولن أستجدي ، ولن أطلب الصدقة من أحد . أ لست بشرا مثلهم ؟ فلي كرامة ، لي مشاعر وإحساس . لكن يا ولدي كل يوم أروح وأنا جد متعبة ، وحتى هذه الورود ، القليل من يشتريها مني . فهم يفضلون شرائها من المحلات التجارية أو من بائعة ورد في ريعان الشباب . و كما ترى فاليوم كله وأنا أتجول هنا ، أتجول هناك ، ولا زلت لم أبع نصفها . فكيف السبيل يا ولدي للعيش ؟
أثرت في بكلامها هذا ، فأخدت منها جميع الورود وناولتها مبلغا من المال .
شكرتني وحيتني بابتسامة عريضة ، ثم انصرفت إلى حال سبيلها ، وقد تبدل الحزن فرحا وعادت البسمة من جديد على محياها النحيف .
لكن يا ترى فهل المشهد ذاته سيتكرر مع هذه العجوز المسكينة كل يوم ؟ وإلى متى ستبقى لوحدها تعاني في صمت يا ناس؟
الصالح برني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
دار نشر تحيا مصر 🇪🇬للإبداع. اصدارات الكترونيه